الثلاثاء، ٢٦ فبراير ٢٠٠٨

اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً


اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،
يقول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (الأحزاب:70)، والقول السديد هو القول الطيب الرشيد. وأطيب الكلام وأرشده وأبلغه وأحكمه هو كلام الله -تبارك وتعالى- الذي ما إن سمعه الوليد بن المغيرة حتي أقر بذلك على شركه قائلاً: "والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه يعلو، ولا يعلى عليه ..."
هذا ولما كانت رسل الله عليهم الصلاة والسلام أتقى لله، كانوا أحلاهم منطقاً، وأطيبهم ألسنة، وأزكاهم كلاماً.
فهذا آدم -عليه السلام- ينيب إلى الله بعبارة وجيزة، ودعوة ملئها التذلل والخضوع: (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)(لأعراف: من الآية23).
وهذا خليل الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- يعرض دعوته علي أبيه في أوجز عبارة وأرقها: (سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً)(مريم: من الآية47).
أما موسي كليم الله -عليه الصلاة والسلام- فتجد عذوبة منطقه في تلكم الأدعية التي تضرع بها إلى الله -تعالى-، يقول الله -جل وعلا-: (وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ)(لأعراف:155-156).
وثمة دعاء آخر هتف به قلبه، وتحركت به شفتاه يوم أن أمره الله -تعالى- بالتوجه إلى فرعون، ويا لها من مهمة استعان عليها الكليم بقوله: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا)، ثم لما أحرقه الجوع بعد تلك الرحلة الشاقة انكسر لله قائلاً: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)(القصص: من الآية24).
أما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فحدث ولا حرج عن الفصاحة والبلاغة، وعذوبة المنطق. كيف لا وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؟!
و قد أوتي -صلى الله عليه وسلم- جوامع الكلم، وأحاديثه الشريفة آية في الإعجاز.
يستوصيه سفيان بن عبد الله -رضي الله عنه- فيتحفه -صلى الله عليه وسلم- بوصية فذة جامعة يقول فيها: (قل آمنت بالله ثم أستقم).
و يبين -صلى الله عليه وسلم- طريق الخير والفلاح بأحرف معدودات حيث يقول: (قد أفلح من أسلم ورُزِقَ كفافاً، وقنَّعه الله بما آتاه).
هذا ولقد كان لصحابته الكرام النصيب الأوفى من هذا الميراث النبوي، وهاك شيء من أقوالهم التي استنارت بها الدنيا:
يقول أبو بكر -رضي الله عنه-: "ثلاث من كن فيه كن عليه، المكر (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ)، والبغي (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ)، والنكث (فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ).
أما عمر -رضي الله عنه- فهو القائل: "إنه لا أخاف عليكم مؤمناً قد تبين إيمانه، ولا كافراً قد تبين كفره، وإنما أخاف عليكم منافقاً يعمل لغيره".
"ما أسر أحد سريرة إلا وأظهرها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه" كلمة أبقاها الله لذي النورين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- ينتفع بها الخلائق جيلاً بعد جيل.
أما علي -رضي الله عنه- فقد كان يقول: "ما أحسنت لأحد قط، وما أسأت لأحد قط .... فقال لسان الحال: كيف ذلك يا أمير المؤمنين، وإحسانك يملأ السهل والوادي؟! فقال عليُّ: ما أحسنت لأحد قط، وما أسأت لأحد قط ألم تقرؤوا قول الله -تعالى-: (إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا).
طابت قلوب الأولين فطاب كلامهم
أما نحن فإذا نظرت إلى كلامنا فتهجده في كثير من الأحيان لا يصفو على شيء، فهو ما بين القيل والقال، فضلاً عن الغيبة والنميمة، وعفن الألسنة، وهذا وإن دل علي شيء فإنما يدل علي خراب القلوب، خلافاً للرعيل الأول الذين كانت أقوالهم تنبض بالحياة.
يقول معاوية -رضي الله عنه-: "إني لأخشى أن أظلم من لا يجد علي ناصراً إلا الله".
ويقول أبو الدرداء -رضي الله عنه- لمن استوصاه: "اُذكر يوماً تصير السريرة فيه علانية".
ويقول أبو عبيدة -رضي الله عنه-: "رُب مُبَيِّض لثوبه مدنِّس لدينه، رُبَّ مُكْرِم لنفسه وهو لها مهين، بادروا السيئات القديمات بحسنات حديثات".
وكان الغزالي -رحمه الله- يقول: "كل الناس هلكى إلا العالمون، والعالمون كلهم هلكى إلا العاملون، والعاملون كلهم هلكى إلا المخلصون".
ومن درر شيخ الإسلام بن تيمية -رحمه الله-: "المحبوس من حُبِسَ قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه".
وقال غيره: "ما طابت الدنيا إلا بذكره، ولا الآخرة إلا بعفوه، ولا الجنة إلا برؤيته".
هذه عباد الله ليست كلمات وإنما درر ولآلئ، وكنوز غالية جديرة بأن تنقش على القلوب، نسأل الله -جل في علاه- أن يهدي قلوبنا، وأن يسدد ألسنتا، وأن يسل سخائم صدورنا، آمين.
هذه الكلمة بل فكرة الموضوع أخذناها من فم الشيخ سعيد عبد العظيم، ومن بركة الكلام نسبته لقائله، ونعوذ بالله أن نتشبع بما لم نُعْطَ.
وصلى الله علي النبي، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ليست هناك تعليقات: